إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
108395 مشاهدة
الجن والشياطين والملائكة يموتون

...............................................................................


فلذلك نعتقد أن الجن والشياطين والملائكة مخلوقون؛ أي أنهم بعض من خلق الله تعالى, ونعتقد وجودهم, وإن أنكر الوجود بعض المعاندين، ونعتقد أيضا أنهم يموتون لقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فلهم نهاية ينتهون بها؛ إلا أن الله تعالى أخر إبليس، أنظره إلى يوم الوقت المعلوم لما أظهر العداوة لابن آدم وعزم على أن يغوي جنس بني آدم سأل ربه أن يُنْظِرَهُ, يعني: يؤخره، قال: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يعني :أخرني ولا تمتني إلى يوم يبعثون, قال الله: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ أي: إلى الوقت الذي حدد الله تعالى نهايته فيه, فهو إذا انتهى الوقت المعلوم فلا بد أنه يموت كما يموت الجن, الجن مشاهد أنهم يموتون, أما إبليس فإنه مؤخر فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وفي الدعاء المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دعائه: أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون ومشاهد أن الجن يموتون كما يموت الإنس، وموتهم لا بد أن يكون بشيء يحصل لهم, معلوم أن موت الإنس بخروج روحه, فموت الجن أيضا لا بد أن له شيئا يحصل به حتى يموت, إما أنه له جسد وروح, وتلك الروح والجسد كلاهما خفيف نوراني لا نراه, فيقدر الله تعالى عليه الموت, ويموت كما يشاء الله تعالى.
فكذلك أيضا قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أهل النار وأهل الجنة يبقون في الدار الآخرة لا يموتون، وأن الموت يموت, ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بالموت في صورة كبش فيوقف على أهل الجنة فيقال: يا أهل الجنة! فيشرئبون وينظرون, فيقال: أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم, هذا الموت. ويقال: يا أهل النار! فيشرئبون وينظرون, فيقال: أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة! خلود ولا موت, ويا أهل النار! خلود فلا موت, فيزداد أهل الجنة فرحا, ويزداد أهل النار حزنا هذا حديث ثابت في الصحيح؛ أخبر بأن الموت يذبح، وقد أنكر ذلك بعض المعاندين, وقالوا: إذا كان الموت مَلَكًا فكيف يذبح؟ وكيف يعذب بالذبح, مع أنه مطيع لأمر الله؟ ولماذا لا يخلد كما تخلد الملائكة؟ وإذا كان الموت عرضا, فكيف يموت وهو عرض؟ فالجواب: لا يلزم أن يكون عرضا, ولا يلزم أن يكون هو نَفْسَ الملك، فالله تعالى يُمَثِّلُ الموت للفريقين -لأهل الجنة والنار- ويعرفون أن هذا هو الموت, يعرفونه، وذلك لأنهم شاهدوه في الدنيا، فإن كل ميت لا بد أن الله تعالى يطلعه عند الموت, فيراه، أو بعد خروج روحه أن روحه تعرف هذا الموت, ويكشف لها ويتبين، فإذا ذبح, معناه: أعدم, ومعناه بعد إعدامه لا يكون هناك موت, بل يبقى كُلٌّ من أهل الدارين في موضعه, في داره، فأهل الجنة يبقون في دارهم, لا ينتقلون, وكذلك أهل النار.
هذا مقتضى ذبح الموت الذي ذكر في كتب العقائد.
إذا قيل إن الموت هو الملك, فنقول: الملك موكل بقبض الأرواح, هو الذي وكّله الله, قال الله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ هكذا أخبر بأنه يتوفانا يتوفاكم يعني: يقبض أرواحكم ملك الموت، لا شك أن هناك موت وأن هناك ملكا هو ملك الموت وأنه يقبض الأرواح على حسب ما ورد في الأحاديث.
أصح ما ورد في ذلك حديث البراء الذي في السنن؛ ذكر فيه أن ملك الموت يجلس عند رأس ذلك المحتضر, ويخاطب روحه، فيقول: اخرجي أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب, كُنْتِ تعمرينه, فتسل روح المؤمن كما تسل الشعرة من العجين يعني لا يحس بها ولا يتأثر, وفي رواية: تسيل روحه كما تسيل القطرة من فم السقاء أي: لا يحس بألم, وذكر أنه بعدما يقبض روحه تقبضها منه الملائكة، ثم يجعلونها في حنوط وياسمين, وأكفان من أكفان الجنة كما أن الجثة والجسد يكفنه أهل الدنيا, ويحنطونه, ويجعلونه في هذه الأكفان، فكذلك الروح يحنطها الملائكة ويكفنونها؛ مع أنها لا تفنى, بل هي باقية، وكذلك قال في روح الكافر, أن الملك يقول: اخرجي أيتها الروح الخبيثة كانت في الجسد الخبيث, كنت تعمرينه, اخرجي إلى سخط من الله وغضب, وأنها تتفرق في جسده, وأنه ينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول .
معلوم أن السفود الذي هو شبيه بالآلة التي فيها رءوس محددة إذا كان في وسط صوف مبلول، ودخل الصوف بين رءوسه التي هي كالإبر, ثم أراد أن يخرجه, لا يخرج إلا بعدما يتمزق ذلك الصوف, فيقول: إنه يخرجها وينتزعها, فتنتزع من اللحم, ومن العروق, ومن الأعصاب, ومن البشرة, يعني: نزعا شديدا، والحاصل أن هذا دليل على أن الملك يقبض كل الأرواح، وإذا قيل: كيف يقبض الأرواح مع كثرتها وتفرقها؟ يعني: قد يموت واحد في المشرق, وواحد في المغرب في لحظة واحدة, أو عدد, يعني: قد يموت في اللحظة الواحدة مئات وألوف وعشرات ألوف في طرفة عين, فكيف يقبضهم مَلَكٌ واحِدٌ؟ لا مانع من أن الله أقدره على ذلك, وجعل له قوة يطلع بها على الجميع, فيقبض روح هذا, وروح هذا، ويمكن أن يكون له أعوان يقبضون معه, دليل ذلك قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ فـ رسلنا يعني: من الملائكة. أخبر بأنها تتوفاه, وهو دليل على أنهم عدد, وأما ما ذُكِرَ من صفة ملك الموت وأن له سبعين ألف رأس, وأن له سبعين ألف يد, أو في كل رأس سبعين ألف شعرة, وفي كل شعرة سبعين ألف روح, أو نفَس أو ما أشبه ذلك! فإن هذه أحاديث أو آثار يذكرها القصاص, وليست بثابتة. القصاص الذين يعظون في المساجد, وفي المجتمعات, وفي الأسواق, يروون مثل هذه الأحاديث والقصص, ولا أصل لها، ولكن يذكرونها؛ لأجل ترويع الناس؛ ولأجل تهويل الأمر, وما أشبه ذلك.
نحن نقول: إن الله تعالى هو الذي يتوفى الأرواح هو الذي يقبضها, يعني: بأمره يحيي من يشاء, ويميت من يشاء متى شاء, دليل ذلك قول الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أخبر بأنه يتوفى الأنفس حين موتها, هو الذي يتوفى الأنفس كما يشاء, ويتوفى أنفس النائمين في منامها، فإذا توفاها, التي قد قدر أنها لا ترجع إلى جسدها يمسكها, والتي لم تمت, بل قدر أن لها حياة باقية، هذه يقبضها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى التي لها حياة باقية، يرسلها فيردها إلى أجسادها.
ولا شك أن هذا دليل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وذلك لأنه يقبض الأرواح كلها كما يشاء، وإذا آمن العبد بأنه يقبض الأرواح كما يشاء, وأنه يميتها بعدما كانت حية متحركة كما يشاء, فإنه قادر على أن يعيدها يرد إليها حياتها التي كانت موجودة بها كما يشاء؛ ولذلك دائما يحتج على إحياء الموتى بابتداء الحياة الدنيا, فيقول: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وقد أخبر تعالى بأنه يكون هناك نفخ في الصور, وأنه إذا نفخ في الصور خرجت كل روح إلى جسدها بعدما ينبتها الله.
ورد في بعض الروايات: أنه بعد موت الناس كلهم, وصيرورتهم ترابا وعظاما يُنْزِلُ الله تعالى مطرا غليظا، فتنبت منه تلك الأجساد بعدما يأمرها الله تعالى أن تجتمع, تنبت منه، فإذا تكامل نباتها, يعني: اجتمع كل جسد: رأسه, وشعره, وحواسه, وبطن, وظهر, وأيد, وأرجل, وأمعاء, يعني: اكتمل جسده, بعد ذلك يرسل الله تعالى الأرواح, تذهب كل روح إلى جسدها، فتعود إليها الحياة, ويخرجون ويقولون: يا ويلنا، يا ويلتنا! من بعثنا من مرقدنا؟ ثم يقولون, أو يُقَال لهم: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ أخبر تعالى بأن هذا وعد الله, وأنه لا يُخْلِفُ وعده, وعد بأنها ستعاد تلك الأرواح إلى أجسادها.